ارفعوا أيديكم عن مناضلي ومناضلات إقليم طاطا الصامد!

أيار (مايو) 2007
المناضل-ة عدد: 16

جريدة المناضل-ة


يجري في صمت تحريك آلة القمع ضد مناضلي ومناضلات الحركة الجماهيرية التي هزت مدينة طاطا ونواحيها منذ مارس 2005 على اثر قرار إلغاء مجانية خدمات الصحة العمومية بمستشفاها الإقليمي.
اختار المستبدون أفرادا قلائل لأن تطبيق قانونهم بلا تمييز بين المواطنين، كما يدعي دستورهم، يستدعي تشييد معسكر اعتقال جماعي لمعاقبة جماهير طاطا التي خرقت قانون قمع الحريات و احتجت بالآلاف مطالبة بحقها في خدمات صحة مجانية وجيدة.
فمن جهة وجهت لأربعة مناضلين [ الخمسي – السوداني – ضلع ماء العينين- عبد الله بلفقيه] تهمة جمع الإحسان العمومي بدون ترخيص، وما يزال الملف بمحكمة الاستئناف بعد أن حكمت الابتدائية بالبراءة ورفضتها النيابة العامة.
ومن جهة ثانية، يتابع بالمحكمة الابتدائية مناضلون من ايمي أوكادير [ إبراهيم بوتبغة – سعيد مروش – الناجم اكنريض- محمد لمريس – عبد القادر أكناو]، بتهم تحريض السكان، وجمع الإحسان العمومي بدون ترخيص، والتظاهر بدون ترخيص، وتنظيم تجمعات بدون ترخيص.
ومن جهة ثالثة، يتابع بالمحكمة الابتدائية ثلاثة مناضلين [فريد الخمسي – علي بوتباغة- البلغيثي رشيد]بتهم تنظيم تجمع غير مرخص، و استعمال السلاح الأبيض في وجه القوات العمومية والمشاركة في ذلك.
ومن جهة رابعة، يرتقب أن يكون ثمة 26 متابعا في قضية وقفة احتجاجية دفاعا عن الحق في الاحتجاج، حيث ما يزال الملف لدى الضابطة القضائية ريثما يستكمل التحقيق لدفع الملف الى وكيل الملك.
ومن جهة خامسة، تُرتقب متابعة ثلاثة مناضلين [الخمسي – البلغيثي رشيد و بوتبغة علي] بتهمة تنظيم وقفة احتجاجية غير مرخص لها، والقذف. الملف في طور الإعداد حيث جرى الاستماع الى كل من الخمسي والبلغيثي.
ومن جهة سادسة، يرتقب الاستماع إلى جمال بوتبغة بتهمة تحريض الساكنة مع الاحتجاج بلا ترخيص. كما جرى التحقيق مع ثلاث نساء [ر-ب . ج –ك . ع-ب] بتهمة الفساد وإعداد بيت للدعارة، وهي تهمة جديدة تضاف إلى المخدرات التي سبق أن لفقت للمناضل الشريعي بأسفي وللمناضل بنجلون بكلميم.
هذا وقد سبق التلويح بقمع النقابيين حيث اعد ملف ضد مناضلين من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل اثر اعتصام بمقر نيابة التعليم في ديسمبر 2005 ، بتهمة اقتحام مقر عمومي والتشويش على الموظفين. وقد تم حفظ الملف. وثمة ملف آخر بالتهمة ذاتها اثر اعتصام وإضراب عن الطعام يوم 21 ابريل 2006.
ليس هذا مجرد انتقام من ناشطين نطقوا باسم حركة احتجاجية، بل حرب استباقية تتحسب النهوض الشعبي المحتمل جدا، لا سيما أن السلطة عازمة على التراجع عن التنازلات التي انتزعتها المظاهرات الشعبية، عزم يتجلى بوجه خاص في الإجراء القاضي بعدم قبول "شهادة الاحتياج" في مستويات الاستشفاء كلها.

لقد شكل الرفض الشعبي بطاطا، بكثافته وطول نفسه، سابقة خطيرة بالنسبة للحاكمين من شأنها أن تنسف خططهم الرامية إلى فرض إلغاء مجانية الخدمات الصحية، خاصة أن ما يسمى بالتأمين الصحي وضع ملايين الكادحين والكادحات خارج التغطية.
ان المشكل الصحي بالمغرب في تفاقم متصاعد سيتفجر لا محالة، في ظل إصرار الحاكمين على التقشف في النفقات الاجتماعية والتمادي في سياسة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوربي الإجرامية. هذه السياسة التي تنتج على صعيد الصحة، كما على باقي الأصعدة، أهوالا تلو الأخرى كان وجهها الأبرز هذا العام موت عشرات الأطفال بقرية انفـُكو بناحية خنيفرة، ووجهها الخفي موت آلاف المواطنين في صمت بفعل العجز عن أداء نفقات العلاج، هذا العجز الذي صرخت به مواطنة مريضة بالقصور الكلوي[ فوزية الحمداوي] لما انتحرت يوم 4 ابريل 2007 بإلقاء نفسها من الطابق الثالث بمستشفى بن سينا بالرباط، وهي حالة الانتحار التاسعة عشر بهذا المستشفى.
هذا الواقع يؤكد أن جماهير طاطا على حق: لا خدمات صحية دون نضال شعبي في الشارع، ولا حقوق دون ميزان قوى بوجه المستفيدين من افقارنا واضطهادنا. وهذا الشارع هو ما يريدون منعه عنا بتحريك المتابعات ضد مناضلي ومناضلات طاطا. وهذا الشارع هو ما تصر الجماهير الشعبية على حقها فيه مثلما دلت الاستجابة الواسعة لنداء التظاهر يوم 11 فبراير بزاكورة دفاعا عن مجانية العلاج وجودته ( زهاء 3000 مشارك).

اتهام الآلاف من المواطنين، من يحاكم من؟

أن الوقائع التي ُتحرك بشأنها متابعات قضائية للمناضلين سيرورة نضالية انخرطت فيها جماهير طاطا ونواحيها طيلة سنتين منذ بدأ تطبيق تعريفة أداء مقابل الخدمات الصحية العمومية في طاطا يوم 1 مارس 2005. فبعد أسبوعين من ذلك اليوم تأسست هيأة الدفاع عن مجانية الخدمات الصحية وجودتها من فروع منظمات سياسية ونقابية ومن جمعيات عديدة، ودعت الى مسيرة احتجاج يوم 27 مارس. ومذاك و سكان هذه المدينة والقرى المجاورة، بتلك المنطقة المهمشة، في تعبئة متواصلة للتصدي لقرار إلغاء مجانية خدمات المستشفى الإقليمي.
طالبت المظاهرة الشعبية بمجانية خدمات الصحة، وبرفع التهميش والحرمان عن الإقليم، معتبرة صحة المواطنين فوق أي اعتبار، ورفعت شعار النضال من اجل عولمة بديلة انسانية ومتضامنة. وبعد تلك المسيرة تتالت أشكال الاحتجاج. فكان تنظيم اعتصام دائم أمام المستشفى الإقليمي ، سمي مخيم المهمشين والمرضى، بدأ يوم الأحد 23 ابريل 2005.
ثم جرى تنظيم مسيرة يوم 4 مايو مساء. ورغم عدم تكثيف التعبئة كانت الاستجابة تلقائية وحاشدة، اذ نزل الى الشارع زهاء 2600 كادح، اغلبهم نساء وشباب المدارس، حاملين الشموع. وعبر الشباب المتابع للدراسة الجامعية خارج الإقليم عن تضامنه، اذ نظم طلاب إقليم طاطا بجامعة القاضي عياض بمراكش وقفة احتجاجية، ونظم رفاقهم بجامعة ابن زهر باكادير سفرا جماعيا (زهاء 50 طالب وطالبة) الى طاطا، يوم 7 مايو، لتجسيد التضامن مع الجماهير المناضلة، وساروا في مسيرة من محطة الحافلات الى مخيم المرضى والمهمشين.
ودعت هيئة الدفاع عن مجانية وجودة الخدمات الصحية الى مسيرة شعبية ثالثة، سميت مسيرة الكاسرونة والكاميلة ، نحو مقر عمالة اقليم طاطا يوم الاربعاء 11 ماي 2005. كانت المظاهرة الشعبية أضخم من سابقاتها اذ قدر عدد المشاركين بـ7 آلاف مواطن رجالا ونساء ، شبابا وشيوخا.ويوم 26 مايو نظمت هيئة الدفاع مهرجانا خطابيا بالساحة الرئيسية بالمدينة.
و بعد شهرين من تأسيس الهيئة ، وما شهدته طاطا من تعبئة شعبية غير مسبوقة، وبعد مراهنة خاسرة على استنفاذ التعبئة لقوتها، بدأ التلويح بعصا القمع. فقد شهدت طاطا يوم 31 مايو حالة استنفار قمعي بوضع الحواجز بالشوارع الرئيسية. واستقدام فيالق من قوات التدخل السريع من ورزازات، مدججة بالهراوات والدروع والقنابل المسيلة للدموع وجحافل من الدرك الملكي مصحوبة بالكلاب البوليسية. وفي 14يونيو الساعة الرابعة صباحا، بعد 37 يوم من بدء مخيم المرضى والمهمشين، أغارت عليه قوات القمع تحت جنح الظلام، وفككته بمصادرة الخيام. ورد السكان مساء نفس اليوم بتجمع احتجاجي شارك فيه زهاء 2000 مواطن بدعوة من الهيئة، محتجين على مصادرة خيام المعتصم و مؤكدين التمسك بمطالبهم.وعند استعادة خيام النضال المحجوزة، جابت جماهير غفيرة الشوارع الرئيسية للمدينة في موكب شعارات تحيي الصمود والنضال، تجاوب معها السكان برفع شارات النصر. وفي يوم 12 يونيو كانت مسيرة الصفير استعدادا لنقل الاحتجاج الى العاصمة شارك بها زهاء 5 آلاف مواطن ومواطنة. كما نظمت وقفات يومية أمام مقرات السلطات العمومية و الإدارات و مسيرة إلى الرباط بتاريخ5 يوليوز 2005 تخللتها وقفات إمام الإدارات المركزية.
كان هذا كله محاكمة وإدانة لسياسة الحاكمين الحريصة على مصالح أقلية مستغلة ونهابة بينما ملايين الكادحين تغوص كل يوم أعمق فأعمق في أهوال نظام اقتصادي اجتماعي وسياسي فاسد.

واجباتنا بوجه التصعيد القمعي

انتهكت التعبئة الشعبية لكادحي طاطا كل القوانين القاتلة للحريات العامة، وداستها مرارا عشرات آلاف أقدام المتظاهرين، شيوخا وفتيانا، رجالا ونساء، فلماذا لم يطبق القانون فورا، ولماذا استهداف أفراد قلائل بعد انصرام عامين؟ لقد سبق لحزب العدالة و التنمية[ عدالة الأغنياء وتنمية الأرباح] وحزب الاستقلال [الاستقلال عن الشعب] أن واخذا على السلطة تهاونها في "تطبيق القانون" في بيان مشترك يوم 3 يونيو2005، جاء فيه أن السلطة "تتغاضي عن ملصقات غير قانونية وعن استعمال مكبر الصوت في الأماكن العمومية والقرى وعن أنشطتها المشبوهة إلى أن استفحل أمرها بمس المقدسات الوطنية ووحدتنا الترابية والأمن العام".
لم تكن السلطة بحاجة الى هذه الدعوة الى تفعيل قوانين القمع، فلم تفد سوى في كشف حقيقة الحزبين لمن لم يعرفها بعد. وقد تصرفت السلطة بمهارة من خبر الحركات الاحتجاجية، مراعية خصوصية المنطقة واللحظة، و مراهنة على بقاء الحركة في عزلة لا سيما بفعل بعدها الجغرافي عن التركزات السكانية الكبرى بالبلد، وتواطؤ الماسكين بزمام منظمات النضال الممتنعين عن أي تضامن فعلي او سعي الى حفز الاحتجاج بمناطق اخرى. ليست شدة القمع وقفا على توافر وسائله التقنية والبشرية ( العدة والعدد)، بل مسألة حساب سياسي. فالحاكمون يدركون تربعهم فوق بركان غضب اجتماعي لا تزيده سياساتهم غير قابلية التفجر في أي لحظة. لذا فان جانبا أساسيا في فن الحكم لديهم يتمثل حاليا، بعد نصف قرن من الاستغلال والاضطهاد باسم الديمقراطية، في ضبط شحنة القمع. هذا لأن فعالية القمع لا تنحصر في وقف الاحتجاج وحسب بل أيضا في حفظ التوازن الاجتماعي. فالإفراط في القمع قد يؤدي إلى إطلاق عملية زعزعة الاستقرار الاجتماعي بفعل الرد على العنف الممارس، لكن قمعا رخوا قد يشجع المحتجين على المعاودة.
هذا ما جعل التلويح بالقمع، واللجوء الى درجة اولى منه، يتخللان الحركة الشعبية في طاطا. فعلاوة على الآنف ذكره استدعى الدرك الملكي بعد مسيرة 12 يونيو 2005 أعضاء هيئة الدفاع عن مجانية و جودة الخدمات الصحية بطاطا، و استنطقهم وتوبعوا بتهمة التماس الإحسان العمومي بدون ترخيص. كما جرى قمع الوقفة الاحتجاجية يوم فاتح أكتوبر 2006 ومحاصرة قوات القمع لمقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، و منع أزيد من (4000 مواطن) من الالتحاق به و مطاردتهم في جميع أزقة و شوارع المدينة مما خلف حالة رعب. و اعتقال قوات الدرك بعض المتظاهرين و ضربهم.
إن سعي السلطة الى تضييق الخناق على مناضلي حركة الكفاح الشعبي في طاطا يبرز مكانة المطالب المتعلقة بالحريات العامة، حرية التجمع والتظاهر وحرية التنظيم وحرية التعبير بجميع الوسائل، ووجوب تدقيقها والتعبئة من أجلها.
وهذه التعبئة الشعبية الواسعة ضد القمع، و من اجل الحريات، وتضافر جهود قوى النضال النقابية والحقوقية وحركة المعطلين و الكفاح الشعبي التلقائي، ستشكل خطوة نحو استكمال حركة النضال الجماهيري لرؤية نضالية شاملة تمزج المطالب الاجتماعية الآنية بمطلب ديمقراطية حقيقية تقطع مع ديمقراطية الدساتير الممنوحة والسلط غير المنتخبة وغير الخاضعة للرقابة ولا للعزل. وهنا بالذات يكمن دورنا، نحن انصار النضال العمالي والشعبي، انصار السير بالكفاح حتى النهاية ، حتى التحرر التام من الاستغلال والاضطهاد. إن التضامن سلاحنا بوجه تصعيد القمع، أي التحرك لحفز استعداد الجماهير للكفاح وتوحيد اشكاله والرقي بها بما يعزز ميزان القوى لصالحنا.
المطلوب من المناضلين والمناضلات بكل مواقع النضال، وبكل المناطق، انهاض مزيد من قوى النضال ضمن الكادحين لا سيما الشباب والنساء، وتقييم التحركات السابقة، وتعميق أواصر التضامن اقليميا ووطنيا، و مد جسور التعاون والنضال المشترك مع حركات النضال في ايفني، وبوعرفة، وتاماسينت، وايت أورير، ومع الصاعد لامحالة من حركات نضالية بالمدن والقرى.
وعلى هذا الطريق سنهزم كل قمع.

جريدة المناضل-ة
11 ابريل 2007

[center]